[font=Aria
الرفــــــــــــــــــــث
[u]الكناية عن الجماع
باللباس وبالمباشرة
من لطيف الكناية قوله تعالى :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ﴾(البقرة:187) ، فكنى باللباس وبالمباشرة عن الجماع .
فأما اللباس فلأنه من الملابسة ، وهي الاختلاط والجماع .. وأما المباشرة فلِمَا فيها من الملامسة بالتقاء البشرتين ؛ إذ لا يخلو الجماع من الملامسة . وليلة الصيام هي الليلة التي يعقبها صيام اليوم الموالي لها ، جريًا على استعمال العرب في إضافة الليلة لليوم الموالي لها ، إلا ليلةَ عرفة ؛ فإن المراد بها : الليلة التي بعد يوم عرفة . والرَّفَثِ إلى النساء هو الإفضاء إليهن بالجماع . وتعديته بـ( إلى ) ؛ ليتعين المعنى المقصود ، وهو الإفضاء .
وقوله تعالى :﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ جملة مستأنفة ؛ كالعلة لما قبلها . أي : أحلَّ لكم الرفث إلى نسائكم في هذه الليلة ؛ لعُسْر الاحتراز عن ذلك ؛ وذلك أن الصوم لو فرض على الناس في الليل ، وهو وقت الاضطجاع ، لكان الإمساك عن قربان النساء ، في ذلك الوقت عنتًا ومشقة شديدة ، ليست موجودة في الإمساك عن قربانهن في النهار ؛ لإمكان الاستعانة عليه في النهار بالبعد عن المرأة .. فقوله تعالى:﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ استعارة ، بجامع شدة الاتصال حينئذٍ ، وهي استعارة أحياها القرآن ؛ لأن العرب كانت قد اعتبرتها في قولهم :« لابَسَ الشيءُ الشيءَ » ، إذا اتصل به ؛ لكنهم صيَّروها حقيقةً عُرفيَّة ، فجاء القرآن فأحياها ، وصيَّرها استعارة أَصليَّة جديدة ، بعد أن كانت تبعيَّة منسيَّة .
والمراد بقوله تعالى :﴿ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ ﴾: أنكم تُلجِئون أنفسكم للخيانة ، أو تنسبونها لها . وقيل : الاختيان : أشد من الخيانة ؛ كالاكتساب والكَسب . وقوله تعالى :﴿ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ﴾ الأمر فيه للإباحة ، وليس المراد بالإشارة في قوله تعالى:﴿ فَالآنَ ﴾ إشارة إلى تشريع المباشرة في هذا الوقت ؛ بل معناه : فاللآن اتَّضح الحكم ، فباشروهن ، ولا تختانوا أنفسكم .
[/font]